حروب الصلبيين ... الانطلاقة الأولي

<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic">ألقى البابا أوربان الثاني خطبة مثيرة في مدينة كليرمونت الفرنسية في (</FONT><FONT face="Traditional Arabic">26</FONT><FONT face="Traditional Arabic"> من ذي القعدة </FONT><FONT face="Traditional Arabic">488</FONT><FONT face="Traditional Arabic">هـ= </FONT><FONT face="Traditional Arabic">27</FONT><FONT face="Traditional Arabic"> من نوفمبر </FONT><FONT face="Traditional Arabic">1095</FONT><FONT face="Traditional Arabic">م)، دعا فيها إلى القيام بحملة إلى الشرق والاستيلاء على بيت المقدس من المسلمين، ووعد المتطوعين في الحملة بحياة أفضل في الدنيا، وبغفران الذنوب إن ماتوا في ساحة القتال.</FONT></STRONG></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><STRONG>فاستجاب لهذه الدعوة جحافل من العامة والفلاحين والرعاع وقطاع الطرق واللصوص، وهي تمني نفسها بالحياة الناعمة والخير الوفير، متأثرة بالدعاة الذين جابوا أوروبا لإثارة حماس الناس، وحميتهم الدينية، وكان "بطرس الناسك" و"والتر المفلس" من أبرز هؤلاء الدعاة، وعرفت هذه الحملة في التاريخ بحملة الرعاع، وارتكبت أثناء سيرها كل الموبقات من سلب ونهب وقتل واعتداء على الأعراض، حتى وصلت إلى أبواب القسطنطينية، فسارع الإمبراطور البيزنطي إلى نقلهم عبر مضيق البوسفور إلى آسيا الصغرى، وتخلص من شرورهم، وقابل السلاجقة هذه الجحافل وأوقعوا بهم هزيمة قاسية.</STRONG></FONT></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><FONT color=#800000><STRONG>الحملة الصليبية الأولى</STRONG> </FONT></FONT></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><STRONG>وبعد الفشل الذي مُنيت به الحملات الشعبية الصليبية، بدأت التحضيرات للقيام بحملات صليبية منظمة يقودها الفرسان والأمراء، ومزوَّدة بالمؤن والسلاح والعتاد، وتألفت الحملة الصليبية الأولى من أربع جماعات، واحدة منها بقيادة "جودفري دي بويون"، والثانية بقيادة "بوهيموند" النورماندي، والثالثة بقيادة "ريموند دي تولوز"، والرابعة بقيادة "روبرت" النورماندي.</STRONG> </FONT></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><STRONG>ولما بلغت القوات الصليبية القسطنطينية، التقى قادتها بالإمبراطور البيزنطي وأقسموا له يمين الولاء وإعلان التبعية، وتم الاتفاق على أمرين:</STRONG> </FONT></DIV>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic">1</FONT><FONT face="Traditional Arabic">ـ أن يزوِّدهم الإمبراطور بالمؤن والذخائر.</FONT></STRONG></DIV>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic">2</FONT><FONT face="Traditional Arabic">ـ تسليمه الأراضي التي يحتلونها، ولكن هؤلاء أخلّوا بالتزاماتهم، ولم يفوا بتعهداتهم.</FONT></STRONG></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><FONT color=#000080><STRONG>سقوط نيقية</STRONG> </FONT></FONT></DIV>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic">بقيت القوات الصليبية مرابطة في العاصمة البيزنطية لمدة أسبوعين، ولم تلبث أن عبرت هذه القوات إلى آسيا الصغرى، حيث التحقت بهم بقايا الرعاع التي قادها بطرس الناسك، فاجتمع لهم عدد ضخم من الجند، وتوجه الجميع إلى مدينة نيقية، حاضرة الأمير السلجوقي "قلج أرسلان"، وضربوا حولها حصارًا شديدًا، فصمدت المدينة عشرين يومًا، في غياب قائدها عنها الذي كان يخوض صراعاً حاداً ضد الدانشمديين، في الوقت الذي كان عليه أن يجعل الدفاع عن هذه المدينة في سلَّم أولوياته، وأخيراً سقطت المدينة في (3 رجب </FONT><FONT face="Traditional Arabic">490</FONT><FONT face="Traditional Arabic">هـ= </FONT><FONT face="Traditional Arabic">26</FONT><FONT face="Traditional Arabic"> من يونيو </FONT><FONT face="Traditional Arabic">1097</FONT><FONT face="Traditional Arabic">م)، وكان هذا أول انتصار للصليبيين في حملتهم الأولى. </FONT></STRONG></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><STRONG>حقق الصليبيون بهذا النصر مكاسب هامة، وساهم في ازدياد حماس الصليبيين، ورفع من معنوياتهم، خاصة وأنه تزامن مع نصر آخر حققوه على السلاجقة في (ضورليوم)، وجعل أبواب آسيا الصغرى مشرعة أمام الجيوش الصليبية الغازية التي تابعت زحفها على بقية المدن والمواقع، حتى تمكنوا من إخضاع كل الأراضي التابعة للسلاجقة في آسيا الصغرى لسلطة الصليبيين.</STRONG></FONT></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><FONT color=#000080><STRONG>الزحف إلى الشام</STRONG> </FONT></FONT></DIV>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic">تابع الصليبيون زحفهم إلى بلاد الشام، التي كانت تعاني من التشرذم والانقسام وتعصف الخلافات بين أمرائها، ما جعلهم عاجزين عن المواجهة، وفي الطريق إلى أنطاكية، انفصل "بلدوين" أخو "جودفري" بقواته عن الجيش الصليـبي في (ربيع الآخر </FONT><FONT face="Traditional Arabic">491</FONT><FONT face="Traditional Arabic">هـ= مارس </FONT><FONT face="Traditional Arabic">1098</FONT><FONT face="Traditional Arabic">م)، واتجه إلى الرها التي كانت خاضعة آنذاك للأرمن، واستولى عليها، وأسس منها أول إمارة صليبية في الشرق، وبقي بلدوين في الرها، ولم يلتحق بالجيش الصليـبي الزاحف إلى القدس، مكتفياً بما حققه من انتصارات. </FONT></STRONG></DIV>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic">أما الجيش الآخر، فقد تابع زحفه إلى أنطاكية، وفرض على المدينة حصاراً في (</FONT><FONT face="Traditional Arabic">12</FONT><FONT face="Traditional Arabic"> من ذي القعدة </FONT><FONT face="Traditional Arabic">490</FONT><FONT face="Traditional Arabic">هـ= </FONT><FONT face="Traditional Arabic">21</FONT><FONT face="Traditional Arabic"> من أكتوبر </FONT><FONT face="Traditional Arabic">1097</FONT><FONT face="Traditional Arabic">م)، فتصدى له الأنطاكيون بزعامة ياغيسيان، ودافعوا عنها دفاعاً مستميتاً. وعلى الرغم من المناشدة التي أطلقها ياغسيان للحكام المسلمين لمساعدته في الدفاع عنها، وخاصة من قبل حاكمي دمشق(دقاق) وحلب(رضوان) السلجوقيين وغيرهما من أمراء المناطق، فإن هذه النجدات لم تجدِ نفعاً، بل ربما ساهمت في إحباط نفسيات المدافعين عنها، وذلك لسيادة روح الشك وعدم الطمأنينة بين هؤلاء الحكام، ما جعل الصليبيين يستفردون بأهالي أنطاكية، بعد وصول الإمدادات والمساعدات، وأحكموا عليها الحصار الذي استمر تسعة أشهر، وانتهى أخيراً بسقوطها في رجب </FONT><FONT face="Traditional Arabic">491</FONT><FONT face="Traditional Arabic">هـ= يونيو </FONT><FONT face="Traditional Arabic">1098</FONT><FONT face="Traditional Arabic">م بأيدي بوهيموند، وتأسيس الإمارة الصليبية الثانية في الشرق، وذلك بعد أن ارتكب الصليبيون مجزرة مروِّعة ذهب ضحيتها أكثر من عشرة آلاف.</FONT></STRONG></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><FONT color=#000080><STRONG>على أبواب مدينة بيت المقدس</STRONG> </FONT></FONT></DIV>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic">شكَّل سقوط أنطاكية نقلة نوعية في الصراع الدائر بين الصليبيين والمسلمين، وعزز من بوادر الأمل لديهم بالاستيلاء على بيت المقدس، وشد من عزيمتهم، فاستولوا على معظم المدن والقرى في الطريق إليها، وارتكبوا فيها مجازر وحشية، لأن هذه المواقع كانت تبدي مقاومة عنيفة للغزاة، ولكن هذا لم يمنع بعض الحكام المسلمين من الدخول في طاعة الصليبيين، مؤثرين السلامة، بل نزل بعضهم على شروط الصليبيين بتقديم العون والمساعدة لهم، وتوالى سقوط المدن الساحلية وغيرها في أيدي الصليبيين، حتى بلغوا أسوار بيت المقدس في (</FONT><FONT face="Traditional Arabic">15</FONT> <FONT face="Traditional Arabic">من رجب </FONT><FONT face="Traditional Arabic">492</FONT><FONT face="Traditional Arabic">هـ= </FONT><FONT face="Traditional Arabic">7 </FONT><FONT face="Traditional Arabic">من يونيو </FONT><FONT face="Traditional Arabic">1099</FONT><FONT face="Traditional Arabic">م)، ومن المفيد الإشارة إلى أن بعض المدن قد صمدت لفترة طويلة في وجه الصليبيين، ولم يستطع هؤلاء إسقاطها، كطرابلس وصور، حتى بعد سقوط القدس، وذلك بالرغم من الإمكانيات المتواضعة التي كانت بين يدي حكام وأهالي هاتين المدينتين. </FONT></STRONG></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><STRONG>كانت بيت المقدس في ذلك الوقت خاضعة للدولة الفاطمية، وكان عليها "افتخار الدولة" مع حامية المدينة، فاتخذ مجموعة من الخطوات لتعزيز صمودها في وجه الصليبيين، فسمم الآبار وقطع موارد المياه، وطرد جميع من في المدينة من المسيحيين لشعوره بخطورة وجودهم أثناء الهجوم الصليـبي، وتعاطفهم معهم، وقوَّى استحكامات المدينة.</STRONG> </FONT></DIV>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic">كانت قوات الصليبيين التي تحاصر المدينة المقدسة تقدر بأربعين ألفًا، وظلت ما يقرب نحو خمسة أيام قبل أن تشن هجومها المرتقب على أسوار المدينة الحصينة، وكان الجند في غاية الشوق والحماسة لإسقاط المدينة، فشنوا هجومًا كاسحًا في يوم الإثنين الموافق (</FONT><FONT face="Traditional Arabic">20</FONT><FONT face="Traditional Arabic"> رجب </FONT><FONT face="Traditional Arabic">492</FONT><FONT face="Traditional Arabic">هـ= </FONT><FONT face="Traditional Arabic">12</FONT><FONT face="Traditional Arabic"> من يونيو </FONT><FONT face="Traditional Arabic">1099</FONT><FONT face="Traditional Arabic">م) انهارت على أثره التحصينات الخارجية لأسوار المدينة الشمالية، لكنَّ ثبات رجال الحامية الفاطمية وشجاعتهم أفشل الهجوم الضاري، وقتل الحماس المشتعل في نفوس الصليبيين، فتراجعت القوات الصليبية بعد ساعات من القتال. </FONT></STRONG></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><STRONG>كان موقف الصليبين سيئاً، إذ كانوا يعانون العطش وقلة المؤن، ولكن وصول سفن حربية من جنوه إلى يافا قدمت المساعدة للصليبيين بالمؤن والإمدادات والأسلحة والمواد اللازمة لصناعة آلات وأبراج الحصار، رفعت من معنويات الصليبيين، وقوت عزائمهم وثبتت قلوبهم، وطمعوا في النصر، هذا في الوقت الذي كانت تغيب فيه عن ساحة الدعم أي إمكانية لتقديم مساعدة من جانب الحكام المسلمين، الذين تركوا المدينة تواجه مع تلك الحامية الصغيرة قدرها المحتوم، وإن أرسلت بعض الإمدادات والقوات، فإنها وصلت بعد فوات الأوان وسقوط المدينة.</STRONG></FONT></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><FONT color=#000080><STRONG>اقتحام المدينة</STRONG> </FONT></FONT></DIV>
<DIV align=right><FONT face="Traditional Arabic"><STRONG>تأهَّب الصليبيون لمهاجمةَّ أسوار المدينة بعد أن نجحوا في صناعة أبراج خشبية ومعها آلات دك الأسوار، وعجّل من الإسراع بالهجوم ما وصل إلى الصليبيين من أن الوزير الفاطمي الأفضل الجمالي في طريقه من مصر على رأس جيش ضخم لإنقاذ مدينة بيت المقدس.</STRONG> </FONT><STRONG><FONT face="Traditional Arabic"><FONT face="Traditional Arabic">[/size]</FONT></STRONG>[/size]</FONT>[/b]<BR><BR><FONT face="Traditional Arabic"><FONT color=#800000><STRONG>المصادر والمراجع</STRONG></FONT></FONT> <BR></DIV>
<UL>
<LI>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic"><FONT color=#000080> ابن كثير: البداية والنهاية، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، القاهرة، (1419هـ= 1998م).</FONT></FONT></STRONG> </DIV>
<LI>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic"><FONT color=#000080> ابن الأثير: الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، (1386هـ= 1966م).</FONT></FONT></STRONG> </DIV>
<LI>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic"><FONT color=#000080> سعيد عبد الفتاح عاشور: الحركة الصليبية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة،1982م.</FONT></FONT></STRONG> </DIV>
<LI>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic"><FONT color=#000080> فايد حماد محمد عاشور: جهاد المسلمين في الحروب الصليبية، مؤسسة الرسالة ، بيروت، (1405هـ= 1985م).</FONT></FONT></STRONG> </DIV>
<LI>
<DIV align=right><STRONG><FONT face="Traditional Arabic"><FONT color=#000080> صلاح الدين محمد نوار: العدوان الصليـبي على العالم الإسلامي، دار الدعوة، الإسكندرية، 1993م.</FONT></FONT></STRONG></DIV></LI></UL>